عرض المقالة

فقيه المدينة سعيد بن المسيِّب

صفية الشقيفي
هيئة الإدارة

0
14982
0
0
0
1

غير مصنف

غير مراجَع


فقيه المدينة سعيد بن المسيِّب




سعيد بن المسيب
إذا ذُكر الفقه، ذُكر معه سعيد بن المسيب؟
وإذا ذُكر الزهد، ذُكر معه سعيد بن المسيب؟
وإذا ذُكر الخوف من الجرأة على القول في تفسير القرآن بغير علم، ذُكِر سعيد بالمسيب؟
فكيف اجتمع له كل ذلك؟

وُلِد سعيد بن المسيب لسنتين خلتا من خِلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونشأ في وفرةٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحرص على طلب العلم تحت أقدامهم، والنهل من معينهم
وكان شابًا حسن الفهم، سريع الحفظ، فوعى عنهم علمًا كثيرًا.
ولزم سعيد بن المسيب زيد بن ثابت وأبا هريرة رضي الله عنه
أما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فكان من أفقه أهل المدينة وأعلمهم بالقرآن والأحكام والقضاء، وأما أبو هريرة رضي الله عنه فكان من أعلم الصحابة بالحديث وأحفظهم له؛ فاجتمع لسعيد بن المسيب علمٌ كثيرٌ
ولم يمنعه وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو صغير، من السؤال عن قضاياه، وطلب حديثه، حتى كان يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: (يقال ابن المسيب راوية عمر) (1)
قال الليث بن سعد: (لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته) (2)
وكان حريصًا على طلب العلم حيث وُجد حتى قال الإمام مالك: قال سعيد بن المسيب: ( إن كنت لأسير الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد) (3)
وما زال هذا شأنه، حتى تأهل للفتوى وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء، وحتى كان يقال عنه فقيه الفقهاء، وعالم العلماء (4)
وإذا كان هذا قدرُه في العلم، فلابد وأن يظهر أثر علمه على شخصيته ومن ذلك زهدُه في الدنيا، زُهد العلماء، وخشيته من القول على الله بغير علم، وهل يحقق الخشية غير العلماء
قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
أما زُهدُه، فقد عُرضَت عليه الدنيا فأباها.
قال مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يُمَارِي غُلَامًا لَهُ فِي ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ وَأَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا» (5)
جاءه رسول عبد الملك بن مروان يدعوه إليه مِرارًا فيأبى
قال عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ طَلْحَةَ: (دُعِيَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا لِيَأْخُذَهَا فَقَالَ: «لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا وَلَا بَنِي مَرْوَانَ حَتَّى أَلْقَى اللهَ فَيَحْكُمُ بَيْنِي وَبَيْنَهُم) (6)
وقال عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي ، قال : حج عبد الملك بن مروان ، فلما قدم المدينة ووقف على باب المسجد أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلا يدعوه ولا يحركه ، فأتاه الرسول وقال : أجب أمير المؤمنين ، واقف بالباب يريد أن يكلمك . فقال : ما لأمير المؤمنين إلي حاجة ، وما لي إليه حاجة ، وإن حاجته لي لغير مقضية ، فرجع الرسول ، فأخبره فقال : ارجع فقل له : إنما أريد أن أكلمك ، ولا تحركه . فرجع إليه ، فقال له : أجب أمير المؤمنين . فرد عليه مثل ما قال أولا . فقال : لولا أنه تقدم إلي فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك ، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك تقول مثل هذا ! فقال : إن كان يريد أن يصنع بي خيرا ، فهو لك ، وإن كان يريد غير ذلك فلا أحل حبوتي حتى يقضي ما هو قاض ، فأتاه فأخبره ، فقال : رحم الله أبا محمد ; أبى إلا صلابة . (7)
وأراد عبد الملك بن مروان أن يخطب ابنة سعيد بن المسيب لابنه الوليد، فأبى سعيد، وزوجها لتلميذه ابن أبي وداعة على درهمين ! (8)
وكان - رحمه الله - راغبًا في طاعة الله عز وجل، زاهدًا عن معصيته، حتى قال «ما دخل علي وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها ولا دخل علي قضاء فرض إلا وأنا إليه مشتاق» (9)
وقال عنه يزيد بن حازم «كان يسرد الصوم» (10)
وقال عنه عمران بن عبد الله بن طلحة الخزاعي «إن نفس سعيد بن المسيب كانت أهون عليه في ذات الله من نفس ذباب» (11)
وما أجمل ما وصفه به أبو نعيم في مقدمة حديثه عنه في حلية الأولياء حيث قال: (وكان كاسمه بالطاعات سعيدا ومن المعاصي والجهالات بعيدا) (12)
وكيف لا يكون هذا وصفه الذي يُعرف به، إن كانت هذه رؤية سعيد بن المسيب للطاعة والمعصيبة
قال سعيد: ((ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجل ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله )) 13

فإذا عرفت ذلك عن سعيد بن المسيب فلا تتعجب أن يبلغك عنه هذه المقولة التي اشتهرت
(( إنّا لا نقول في القرآن شيئًا )) (14)
وقال يزيد بن أبي يزيد، قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت، كأن لم يسمع). (15)
لماذا وهو صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لماذا ودأبه عبادة الله عز وجل، وتعليم الناس، والزهد في الدنيا والمعاصي
إلا أنه يأبى أن يقول على الله بغير علم
وإلا فقد أُثرت عنه بعض الأقوال في التفسير، أغلبها في المسائل الفقهية وبعضها في غير ذلك
ومن تفسيره عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، {إنه كان للأوابين غفورا} قال: «الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ولا يعود في شيء قصدا» (16)
وفي الختام فائدة وعبرة:
كما قيل: (هتفَ العلمُ بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل)
لا معنى لهذه القائمة الطويلة من الإجازات والشهادات والإنجازات العلمية، إذا لم يكن لهذا العلم أثرٌ على عملك.
وما قيمة العلم إذا كنت تزداد منه ولم يزدك خشية لله عز وجل، وزهدًا في الدنيا وطلبًا للآخرة؟!
ما قيمة العلم إذا كنت تطلب به عرضًا زائلا من الحياة الدنيا ؟!
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وانفع بنا.
______________________________
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد.
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد.
(3) سير أعلام النبلاء
(4) الطبقات الكبرى لابن سعد، وسير أعلام النبلاء.
(5) (6) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.
(7) سير أعلام النبلاء
من (8) لـ (13) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء
(14) (15) رواه ابن جرير.
(16)حلية الأولياء وطبقات الأصفياء.

التعليقات ()

أشهر المقالات
يبدو أن هذه المقالات ستعجبك

عبادُ الرحمن دليل ...

عبادُ الرحمن لمَّا أخبر الله -عز وجل-...

رسالة في تفسير قول...

رسالة في تفسير قوله تعالى :{ واصبر...

التعريف ببرنامج ال...

التعريف ببرنامج التأسيس في...

بعض حجج القرآن في ...

بعض حجج القرآن في سورة الحجر في سورة...

الآن يا عمر ... وق...

الآن يا عمر ... وقفات في سيرة عمر بن...

رسالة في تفسير قول...

قال الله عز وجل: {ولهُ ما سَكَنَ في...